(8) سر دعاء القنوت

(8) سر دعاء القنوت

1

في مثل هذا اليوم 14 رمضان سنة 145 هجري قتل محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب والمعروف بالنفس الزكية من قبل جيش ابي جعفر المنصور على مشارف المدينة المنورة وتعتبر ثورة النفس الزكية اخطر ثورة واجهت العباسيين في بداية دولتهم واول صدام حقيقي بين ابناء العمومة آل العباس وآل علي بعد نجاح الثورة ضد الامويين ووثوب العباسيين على السلطة

2

يعتبر لشهر رمضان حضور بارز الاحداث ففي أواخر رمضان عام 129 هجري اعلنت الثورة الهاشمية ضد الامويين في خراسان بعد سنين من الدعوة السرية وفي اول رمضان 132 هجري دخل العباسييون دمشق واعلن سقوط الدولة الاموية ، وبعد انشقاق النفس الزكية ومطالبته بالخلافة استلهم نفس التكتيك العباسي فأرسل اخاه ابراهيم لاخذ البيعة سرا من اهل العراق وفي اول رمضان 145 هجري بدأ التحرك العسكري بالسيطرة على الكوفة ومضى الامر في بداياته لصالح العلويين غير ان مقتل النفس الزكية في المدينة في منتصف رمضان اثر كثيرا على مسار الاحداث

3

اختلف المسلمون في مسألة القنوت في الصلاة فمنهم من يضيقه ولا يجعله الا في النوازل والمصائب فقط وهو مذهب ابو حنيفة ومنهم من يجعله في صلاة الصبح وهو مذهب مالك والشافعي ومنهم من يجعله في وتر النصف الاخير من شهر رمضان وخو مذهب مالك والشافعي ووجه عند احمد ومنهم من يجعله سرا ومنهم من يجعله جهرا

4

المتأمل في الادعية المأثورة في القنوت سيلاحظ البعد السياسي فيها والحدة في الفاظها واهم دعاء مأثور ورد في القنوت هو دعاء الخلع ونصه:

(اللهم إنا نستعينك ونستغفرك , ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي , ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق)

وتأتي الروايات ان هذا الدعاء كان سورة من القرآن اسمها سورة الخلع ثم نسخت .. والمتأمل في نص "نخلع ونترك من يفجرك" يتأكد ان المقصود بها خلع ونقض بيعة الحاكم الفاجر .. واخر الدعاء هو وعيد للحاكم الفاجر المخلوع بيعته بالعذاب الشديد

والدعاء الآخر (اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتلنا فيمن توليت ، وقنا شر ما قضيت ، فانك تقضي ولا يقضي عليك ، ولا يذل من واليت ولا يعز من عاديت)

والملاحظ ان رويات هذا الدعاء تأتي في معظمها من طريق الحسن بن علي (لاحظ انه جد النفس الزكية ولاحظ ايضا انه ولد فس منتصف رمضان بحسب المؤرخين وهو التاريخ الذي نحن بصدده)

والمتأمل في هذا الدعاء هو حضور مسالة الولاء والعداء وهي مفاهيم سياسية

5

نحن الآن في القنوت امام دعاء سياسي لخلع الحاكم وتكفيره والولاء لاولياء الله فقط واهل مكة والمدينة والكوفة على انه يكون في السر في الفجر وفي النصف الثاني من شهر رمضان فما هو الرابط بين الثلاثة (مكة والكوفة والمدينة – خلع الحاكم الفاجر – منتصف شهر رمضان – السر في الدعاء) ... انه محمد بن عبد الله النفس الزكية: بايعه اهل الكوفة ومكة والمدينة قتل في منتصف رمضان فقنت انصاره ليلا في الوتر وصباحا من منتصف رمضان لآخر الشهر يدعون على الحاكم الفاجر الذي قتله (ابو جعفر المنصور) .. وكون القنوت سرا تحسبا لجواسيس الخليفة حتى لا يعرف بماذا يدعو الثائر في قنوته

6

انكر مذهب ابو حنيفة (مذهب العباسيين الرسمي) القنوت الدائم واعتبره للنوازل فقط حيث ان الدولة آمنة ومستقرة في حين مذهب مالك امام المدينة مزدوج الولاء بين العباسيين والنفس الزكية الذي كان انصاره يسيطرون على المدينة جعل القنوت دائما لاستمرار المحنة وجعله سرا لتجنب الحرج وفضح الولاء

وللامام مالك قصة اخرى تدل على ازدواج ولاءه بين بيعة المنصور وبيعة النفس الزكية سنتعرض لها في المقالة القادمة

7

عندما ذهب الشافعي الى مصر في رحلته الاخيرة التي دون فيها مذهبة الرسمي الجديد مرافقا لاحد الامراء العباسيين كان ذاهبا في مهمة سياسية وهي القضاء على مذهب مالك في مصر وقد واجه مقاومة وحربا من تلاميذ مالك في مصر (اشهب وابن عبدالحكم) حتى قيل انه مات مقتولا على يد متعصبي المالكية .. وسبب ارسال الشافعي لهذه المهمة ذلك بسبب توجس العباسيين من المالكية بسبب علاقة مالك بثورة النفس الزكية وبعد قيام الدولة الادريسية في المغرب كان علماؤها من تلاميذ مالك اي ان مذهب مالك كان له امتداد في الممالك المتمردة وكانت مصر التي ينتشر بها مذهب مالك هي نهاية حدود العباسيين في مواجهة الممالك المتمردة في شمال افريقيا والمغرب والاندلس ..

8

في مسألة القنوت لجأ الشافعي لحيلة ذكية فبدلا من ان يمنع قنوت الصبح مثل ابي حنيفة التزم بديمومته في الصباح على مذهب مالك استاذه وحتى لا يظهر انه يعادي المالكية صراحة ولكنه جعله جهرا وليس سرا كما في مذهب مالك وذلك ليكون الدعاء علنيا لمعرفة من يوالي الخليفة ومن يعاديه في دعائه.