(10) سر حديث الشؤم في المرأة

(10) سر حديث الشؤم في المرأة

No photo description available.


1
بعد مقتل عثمان بن عفان سنة 35 هجري ذهب اغلبية الصحابة لبيعة علي بن ابي طالب باستثناء الامويين بالشام لكن بعد عام ظهرت بوادر انشقاق جديد بسبب عدم قيام علي بما توقعه منه بعض من بايعوه وكان اكثر ما اغضبهم هو ظهور عدم جديته في القصاص من قتله عثمان .. ونقله لمقر الخلافة لمدينة الكوفة بالعراق .. وما ترتب عليه من تهميش لكبار الصحابة المتواجدين بالمدينة في دولة الخلافة الجديدة .. ولهذا قرر الصحابيان الكبيران طلحة والزبير الانشقاق رافعين شعار القصاص لعثمان .. وانهما سياخذان القصاص من قتلة عثمان المتواجدين بالعراق .. وقررا ان تكون مدينة البصرة العراقية والقريبة من الكوفة هي نقطة التجمع والانطلاق ..ويقال ان السبب في اختيار البصره هو وجود انصار مؤيدين لطلحة والزبير في هذه المدينة

2
اهم انجاز فعله طلحة والزبير هو اقناع السيدة عائشة اشهر زوجات النبي بالخروج معهم في هذا التحرك وكان هذا تطورا خطيرا وله دور فعال في الحشد والتعبئة ، وبالفعل بعد الحشد تحرك الجيش سنة 36 هجري يتقدمه جمل عليه هودج بداخله السيد عائشة رافعين شعار تسليم قتله عثمان وتوجه الى البصره وتمكنوا من دخلوها بعد مناوشات مع الموالين لعلي في المدينة وهنا تتضارب الروايات وتتناقض في تفاصيل ماحدث من كيفية الدخول وطبيعة المراسلات والمفاوضات التي دارت بين الزبير وعلي لكن المتفق عليه ان الامر انتهى لاحقا بمعركة دموية كبيرة بالبصرة بين جيش العراق وجيش المدينة وكان اول اقتتال داخلي اسلامي انتهى بهزيمة جيش المدينة ومقتل طلحة والزبير وعقر الجمل وانزال عائشة منه واعادتها للمدينة

3
ورغم انتصار علي بن ابي طالب الا ان الامر كان له اثر سلبي عليه لاحقا بسبب الصدمة التي احدثتها تلك المعركة كسابقة خطيرة لاول اقتتال داخلي اسلامي .. اما التطور الاهم فهو ان هذا الامر قوى شوكة اهل الشام بقيادة معاوية الذين كانوا يعانون من عزلة قبل موقعة الجمل لكن بعدها تم استغلال حالة الغضب لما حدث مع طلحة والزبير وعائشة في استمالة الكثيرين لمعسكرهم وهو ما ترتب عليه من تقوية جيشهم وحدوث معركة صفين عام 37 هجري ثم التحكيم ثم انشقاق الخوارج على علي ثم النهاية المأساوية باغتيال علي بن ابي طالب وبسبب هذه التطورات السلبية نتيجة معركة الجمل اعتبر كثير من المسلمين ان هذه المعركة كانت شؤما على الاسلام

4
اما مدينة البصرة ورغم وقوعها في النطاق الجغرافي للعراق حيث انتشار الشيعة الموالين لعلي الا انها ظلت بعدها حتى العصر العباسي تعرف بانها عثمانية الهوى .. اي ان اغلب اهلها يؤيدون الامويين وطلحة والزبير وعائشة ولهذا انتشر في التدوين الشيعي ذم البصرة واهلها

5
واهم ما جاء في ذم البصرة هي الخطبة المنسوبة لعلي بن ابي طالب من كتاب نهج البلاغة والتي خاطب فيها علي اهل البصرة واصفا لهم بانهم (جند المرأة واتباع البهيمة) والمرأة هنا المقصود بها عائشة والبهيمة هي الجمل .. اي ان عليا يعير اهل البصرة بانهم تقودهم امرأة ..

6
اعتبر اغلب المسلمون (باستثناء الامويين) معركة الجمل نذير شؤم على المسلمين وقرروا ان عائشة اخطات وتسرعت في الخروج .. وتم تحميلها مسئولية هذا الشؤم وهو ما عبر عنه الحديث المنسوب للنبي الذي رواه ثلاثة من الصحابة وهم عبد الله بن عمر وابو هريرة وسهل بن سعد ونصه في البخاري ومسلم ونصه (الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والدابة" وفي رواية اخرى الفرس بدلا من الدابة
والرمزية في هذا الحديث لشؤم معركة الجمل على المسلمين وتحميل عائشة المسئولية وتفسيره على النحو التالي:
1 – الدار: هي ترك عائشة لبيت النبي وخروجها منه وما اعتبره البعض مخالفة للاية القرآنية (قرن في بيوتكن) حسب التفسير الشيعي
2 – المرأة: هي عائشة
3 – الدابة او الفرس: دلالة على الجمل الذي ركبته عائشة متوجهة الى البصرة واستخدم الفرس لدلالته في الحرب لان الجمل ليس من رموز الحرب
4 – وردت رواية اخرى للحديث عن السيدة ام سلمة زوجة الرسول زادت فيها زيادة رابعة وهي كلمة (والسيف) وهي الدلالة الاكثر صراحة على الحرب التي ترتبت على الثلاثة الرموز السابقة ومعروف ان السيدة ام سلمة كانت تميل لمعسكر علي بن ابي طالب وخطات عائشة في موقفها ولذلك هي معظمة عند الشيعة عكس عائشة
ومعروف ايضا ان سهل بن سعد راوي الحديث موال لعلي اما ابن عمر وابي هريرة فكانا محايدان
واذا قلنا ان الحديث يرمز لموقف عائشة في معركة الجمل .. فهل فهمت عائشة ومناصروها من اهل البصرة والشام هذه الرمزية؟؟

7
حينما خرج حديث الشؤم في ثلاثة : الدار والمرأة والدابة .. من طرق اهل المدينة والشيعة وما يحمله من دلالة رمزية على ان بداية الشؤم على الاسلام هو خروج عائشة لقتال علي وركوبها الجمل .. ورغم ان الحديث دلالته رمزية ومبطنة الا انه يبدو ان عائشة ومناصريها من اهل البصرة والشام الذين لا يرون انها اخطأت فهموا المقصود ولم يدعوه يمر مرو الكرام فقد رووا احاديث مضادة تقلب الطاولة على خصومهم
اهمها الرواية عن عائشة في مسند احمد من طريق المحدث الشامي الكبير الموالي للامويين مكحول الدمشقي ونصها : قيل لعائشة إن أبا هريرة، يقول: ان رسول الله قال: " الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرس " فقالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة لأنه دخل ورسول الله يقول: " قاتل الله اليهود، يقولون إن الشؤم في ثلاثة: في الدار والمرأة والفرس " فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله
اي ان عائشة تقول ان هذه دعوى اليهود (واليهود في عرف الشوام تطلق كثيرا ويقصد بها العراقيين) وان الحديث عن الرسول عكسه وان ابي هريرة سمع الحديث مجتزءا فرواه خطئا
اما الراوية الثانية فهي شامية بصرية في مسند احمد ايضا من طريق اهل الشام وبنتهي بالتابعي "البصري" ابو حسان الاعرج ان عائشة لما سمعت رواية ابي هريرة غضبت وقالت: والذي أنزل الفرقان على محمد ما قالها وانما كان اهل الجاهلية يقولون ذلك ثم قرأت الاية (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) اي ان عائشة اعتبرت ان الشؤم عادة جاهلية واحتكمت للقرآن في نفيه
اما الرواية الثالثة فيرويها احمد في مسند البصريين والترمذي وابن ماجة وهي من طريق اهل الشام ايضا عن المحدث الشامي هشام بن عمار وتنتهي عن التابعي البصري معاوية بن حكيم عن عمه الصحابي البصري مخمر بن معاوية : لا شؤم، وقد يكون اليمن في ثلاثة: في المرأة، والفرس، والدار
وهي رواية بصرية شامية تنسف الحديث تماما بنفي الشؤم مطلقا وان العكس هو الصحيح وهو ان البركة في الثلاثة

8
والخلاصة ان حديث الشؤم في ثلاثة :(الدار والمراة والفرس) هو حديث رمزي سياسي كان الهدف منه تخطئة عائشة وتحميلها مسئولية الحرب الاهلية بين المسلمين غير ان عائشة ومؤيديها من اهل البصرة والشام فهموا المقصود منه وذكروا من طرقهم روايات تتهم اهل العراق والمدينة بوضعه وانه من قول اليهود واهل الجاهلية وان الصحيح عكسه وهو ان البركة في الثلاثة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(1) بانوراما الملأ الاعلى

(9) سر طلاق المكره