(1) بانوراما الملأ الاعلى

(1) بانوراما الملأ الاعلى

الاسرار والرموز الهندسية لقبة الصخرة


قبة الصخرة اقدم بناء اسلامي على حالته:

تعتبر قبة الصخرة من أقدم المباني الإسلامية التي تعود لعصر الإسلام المبكر التي تلي الكعبة والمسجد النبوي غير أنها تتميز عنهم أنها مازالت تحتفظ ببنائها الذي بنيت عليه زمن عبدالملك بن مروان كما هو في حين تعرضت الكعبة والمسجد النبوي لاعادة بناء وتوسعات غير معالمها الاساسية التي بنيت عليها مما يجعلها فعليا اقدم بناء اسلامي بقي على حالته 

وأهم ما يلفت النظر هو تميز قبة الصخرة بتصميمها المعماري الفريد المختلف عن باقي المساجد الاسلامية وهي أنها تتمركز حول الصخرة بعكس المساجد التي تعتمد على وجود قبلة ومحراب مما يدعم فكرة انها لم تبنى كمسجد للصلاة الاسلامية وانما كبناء رمزي لتخليد الصخرة   

 

مكونات التصميم

المبنى الخارجي: مثمن الأضلاع بداخل مثمن آخر يحوي الصخرة وينقسم الى لونين الازرق بالاعلى والابيض بالاسفل 

الصخرة : وهي صخرة طبيعية بيضاء اللون عليها بعض آثار الأقدام وتقع اسفل القبة مباشرة

القبة: وهي اعلى الصخرة محمولة على أربعة أكتاف 

مغارة الارواح: وهي تجويف صخري طبيعي اسفل الارض يقع تحت الصخرة مباشرة وله سلم

 

الروايات الغريبة الواردة في وصف الصخرة 

وردت العديد من الروايات الغريبة في وصف الصخرة عدد من الكتب المعنية ببيت المقدس وتاريخ القدس مثل فضائل القدس للضياء المقدسي وتاريخ بيت المقدس لابن الجوزي تجعل من الصخرة مكانا الهيا سابق لخلق العالم ومنه نشأت الأرض وعليه يتجلى الله وفيها مكان الحساب يوم القيامة ومخلصها في النقاط التالية:

 

الصخرة العرش الأدنى:

منها ما ورد في كتاب فضائل بيت المقدس عن أبي ذر: يقول الله الله للصخرة: “ أنت عرشي الأدنى منك استويت إلى السماء وفيك جنتي وناري وفيك جزائي وعقابي فطوبى لمن رآك ثم طوبى لمن رآك ثم طوبى لمن رآك

 

الصخرة موضع العرش ومكان المحشر يوم القيامة:

وعن وهب بن منبه قال : (قال تعالى لصخرة بيت المقدس عليك أضع عرشي وإليك أحشر خلقي ولأفجرن أنهارك خمرا وعسلا ولب

 

الله ينزل على الصخرة يوم القيامة:

إن الله تبارك وتعالى نظر إلى الأرض فقال إني واطيء على بعضك فاستبقت إليه الجبال وتضعضعت الصخرة فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه فقال هذا مقامي ومحشر خلقي وهذه جنتي وهذه ناري وهذا موضع ميزاني وأنا ديان الدين

 

الصخرة محل الحساب الميزان يوم القيامة

اما النص الاهم فهو المأثور عن التابعي أبي إدريس الخولاني ونصه:

يحول اللَّه تعالى صخرة بيت المقدس مرجانة كعرض السماء والأرض ثم يضع عليها عرشه ويضع ميزانه ويقضي بين عباده ويصيرون منها إلى الجنة وإلى النار

 

وتكمن اهمية هذا النص والتصور هو أن أبا إدريس الخولاني هو قاضي دمشق زمن عبد الملك بن مروان يعني شهد بناء القبة ومقرب من السلطة لكون معين في أرفع منصب علمي وقتها وقتها منصب القضاء 

وهو في هذا النص يجعل من هذا المكان مسرح احداث الدار الآخرة من نصب عرش الاله والجلوس عليه للحساب والعقاب

 

تشابه النصوص مع "حجر الأساس" في التراث اليهودي

الملاحظ في النصوص السابقة أنها تتشابه بشكل كبير مع معتقد "حجر الاساس" في الميثولوجيا اليهودية والتي تنص على أن الأرض نشأت من حجر صغير وأنه من صخور الجنة ومنه نبع الماء وتحت الحجر ترقد أرواح الشياطين 

 

 

تاريخ معركة النصوص عالم الغيب  بين التجسيد والتأويل:

وهنا السؤال هل كان لهذا التصور دور في تصميم بناء قبة الصخرة؟

الاجابة على هذا السؤال يحتاج الى اعادة تجسيد صورة الملأ الاعلى في المخيلة الاسلامية المبكرة

والواقع ان هذا الامر حساس جدا لأن هذه المسألة تحديدا نشب فيها صراع مبكر بدأت بين الجهمية ثم المعتزلة لاحقا وطائفة من اصحاب الحديث ما بين من يتمسكون بحرفية النصوص من قرآن وحديث في وصف الاله والملأ الاعلى وهم أصحاب الحديث والاتجاه الاخر وهم المعتزلة الذين أنكروا ظاهر هذه النصوص واعتبروها مجازات لان ظاهرها يؤدي الى التجسيم الذي هو نقص في الكمال الإلهي في حين رأى الاتجاه الأول أن تأويل هذه النصوص هو تعطيل للصفات الالهية وانتهى هذا الأمر بظهور مدرسة وسيطة هي المدرسة الأشعرية وتصورها هو الذي ساد عموما في هذه المسألة ولن نخوض في تفاصيل هذه المسألة ولكن ما يهمنا هو بناء تصور الاتجاه الحسي التجسيدي

وأقدم الكتب التي وصلت إلينا في هذا الاتجاه هو كتاب المحدث عثمان بن سعيد الدارمي المتوفى 282 هجري والمعنون بعنوان "النقض على بشر المريسي" ويتناول الأمور المتعلقة بالصفات الالهية الحسية ويورد الروايات بأسانيدها واغلبها روايات منثورة مبثوثة في معظم كتب الأحاديث والتفاسير يرد فيه على دعاوي الفقيه المعتزلي بشر المريسي وتلميذه ابن الثلجي في تأويلاتهم لآيات وأحاديث الصفات .. وهذا الكتاب تحديدا كان شبه مجهول حتى اوائل القرن العشرين وعندما أعادت جماعة أنصار السنة طباعته ثار جدل حوله وأحدث صدمة في الوسط الديني لاعتباره صريح في التجسيم غير ان الأمر بعد جدل طويل على صفحات المجلات الدينية حسم بسماح الأزهر بطباعة ونشر الكتاب (راجع مقالات الكوثري)

وتبعه طباعة عدة كتب في نفس الاتجاه منها كتاب العرش لأبي جعفر بن أبي شيبة (ليس صاحب المصنف وانما ابن شقيقه) وكتاب العظمة لأبي الشيخ وكتاب التوحيد وإثبات صفة الرب لابن خزيمة وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل واخر ما تم نشره كان كتاب ابطال التأويلات لابي يعلى الحنبلي وهو رد على كتاب ابن فورك الأشعري

 

الصورة الحسية للملأ الاعلى بحسب مرويات اصحاب الحديث القديمة

و بمطالعة الكتب تتكون الصور كالآتي:

يتكون اعظم الخلائق على الإطلاق هو العرش وهو جسم عظيم له قبة ومنه استنتج ابن تيمية ان عرش الله مقبب 

واختلفت الروايات في عدد حملة العرش ما بين ثمانية على الإطلاق وما بين اربعة وفق التصور اليهودي المسيحي ثم يوم القيامة يحمله ثمانية ملائكة 

العرش مستقر فوق الماء السماوى (وكان عرشه على الماء)

تحت العرش توجد الجنة ويمثل العرش لها كالقبة 

الجنة بيضاء في وسطها ربوة عالية هي الفردوس الاعلى وفيها يضع الله فيها الكرسي وله اربعة قوائم ينزل به الملائكة ويكون في وسط الجنة ويدخل الناس عليه للحساب 

في أسفل الجنة يوجد الجحيم وهو كالحفرة كما ورد في الموريات ان جهنم حفرة من فوقها يطلع عليهم أهل الجنة من اعلى

 

مقارنة صورة الملأ الاعلى الحسية ببناء قبة الصخرة:

ولو قارننا هذه التصورات ببناء قبة الصورة ما ملاحظة ما ذكرناه في بداية المقالة مرويات تربط قبة الصخرة بالعرش الالهي وكونها من صخور الجنة ومحل الحساب والقيامة سنجد  أن مبنى قبة الصخرة ما هو الا بناء بانورامي للتصور الاسلامي المبكر لتجسيد الملأ الاعلى

حيث ان القبة هي عرش الاله الثمانية والأركان الثمانية تمثل حملة العرش

والنصف الأعلى من المبنى باللون الازرق يمثل الماء الذي يطفو عليه العرش

والنصف الأسفل من المبنى باللون الابيض يمثل الجنة الشكل المثمن يمثل الجنة بأبوابها الثمانية 

والصخرة العالية بالمنصف تمثل الفردوس الاعلى ومكان نصب الكرسي وجلوس الرب للحساب 

والمغارة في الأسفل تمثل جهنم والجحيم


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(10) سر حديث الشؤم في المرأة

(9) سر طلاق المكره